جَهْلُ سَمِيِر إِبْرَاهِيِم خَلِيِل حَسَن بِمَعَانِى الكَلاَمِ 4 – كَلِمَة: الدِّيِن 4

 

وَالأَنَ؛ ــ وَبَعْدَ مَا فَقِهْنَاهُ مِنَ الشَّرْحِ السَّابِقِ ــ سَنَقُومُ بِجَمْعِ المَعَانِي، الَّتِي تَوَصَّلْنَا إِلَيْهَا سَلَفًا، وَنَحْنُ نَنْظُرُ إِلى الأَيَةِ ــ الَّتِى تَعَالَم الجَاهِلُ سَمِيِر وَهُوَ يَخُوضُ فِيِهَا ــ وَسَطِ الأَيَاتِ السَّابِقَةِ لَهَا وَالتَّالِيَةِ عَلَيْهَا:

يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ ٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَكُونُوا۟ مَعَ ٱلصَّـٰدِقِينَ ﴿١١٩﴾ مَا كَانَ لِأَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ ٱلْأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُوا۟ عَن رَّسُولِ ٱللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا۟ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِۦ ۚ ذَ‌ٰلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌۭ وَلَا نَصَبٌۭ وَلَا مَخْمَصَةٌۭ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَا يَطَـُٔونَ مَوْطِئًۭا يَغِيظُ ٱلْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّۢ نَّيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُم بِهِۦ عَمَلٌۭ صَـٰلِحٌ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ ﴿١٢٠﴾ وَلَا يُنفِقُونَ نَفَقَةًۭ صَغِيرَةًۭ وَلَا كَبِيرَةًۭ وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ ٱللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا۟ يَعْمَلُونَ ﴿١٢١﴾ ۞ وَمَا كَانَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا۟ كَآفَّةًۭ ۚ فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍۢ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌۭ لِّيَتَفَقَّهُوا۟ فِى ٱلدِّينِ وَلِيُنذِرُوا۟ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوٓا۟ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴿١٢٢﴾يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ قَـٰتِلُوا۟ ٱلَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ ٱلْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا۟ فِيكُمْ غِلْظَةًۭ ۚ وَٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ ﴿١٢٣﴾“.

فَنَجِدُ هُنَا أَنَّ التَّوْجِيهَاتِ الرَّبَّانِيَّةَ تَتَنَاوَلُ جُزْئِيَّاتِ القِتَالِ، وَلاَ عِلاَقَةَ لَهَا لاَ بِفُقَهَآءِ دِيِنِ اللهِ وَلاَ لِمَنْ يَرْجِعُونَ إِلَيْهِم:

1 ـ فَتَبْدَأُ بِطَلَبِ التَّقْوَى وَالصِّدْقِ مِنَ المُؤْمِنِينَ.

2 ـ مُحَذَّرَةً أَهْلَ المَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِنَ الأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ.

3 ـ ثُمَّ تُحَذِّرَهُم مِنْ أَنْ يَنْفِرُوا كَافَّةً بِكُلِّ فِرَقِهِم (1)، وَإِنَّمَا استَثْنَت مِنْهُم بَعْضَ الطَّوَائِفِ (مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍۢ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌۭ) لِيَقُومُوا بِفِعْلِ نَفْر.

4 ـ وَتُوَجِّهَهُم إِلَي لُزُومِ أَنْ يَقُومَ هَؤُلآءُ البَعْضِ بِهَذَا النَفْرِ (السَّبِقِ إِلَي الجِهَاتِ المَطْلُوبَةِ) المُسْتَلْزِم لِلجُهْدِ، وَذَلِكَ لِاسْتِيضَاحِ (تَفَقُهِ) الطَّرِيِقِ (الدِّيِن) لِلتَّأَكُّدِ مِنْ سَلَاَمَتِهِ. وَهُوَ مَا نُسَمِّيِهُ اليَوْمَ بِالاسْتِطْلاَع. وَهُوَ عَمَلُ مُخَابَرَاتِىٌّ بَحْتٌ.

5 ـ ثُمَّ تَعُودُ كُلُّ طَائِفَةٍ اسْتَوْضَحَت (تَفَقَّهَت) الطَّرِيِقَ (الدِّيِن) إِلَي فِرْقَتِهَا لِتُنْذِرَهَا بِإِحْدَاثِيَّاتِ المَعْرَكَةِ وَأَحْوَالِ العَدُوِّ ــ إِنْ أَمْكَنَ ــ لِيَأخُذُوا حِذْرَهُم، فَلَا يُؤْخَذُوا بَغْتَةً. وَفِعْلُ التَّفَقُّهِ سَبَقَ بَيَانُ أَنَّهُ يَتَعَدَّى الفِقْهَ إِلَي مَا هُوَ أَعْلَى مِنْهُ مِنْ طَلَبِ الحَرَكَاتِ المَقْصُودَةِ لإِدْرَاكِهِ.

وَهَذِهِ التَوْجِيهَاتُ تُبَدِّدُ مَا قَدْ يَتَسَرَّبُ إِلَي المُؤْمِنِيِنَ مِنْ وَسْوَسَةٍ شَيْطَانِيَّةٍ تَحُضُّهُم عَلَي التَّوَاكُلِ، وَالظَّنِّ بِأَنَّ اللهَ تَعَالَي سَيَنْصرَهُم مَهْمَا كَانَ مَوْقِفَهُم. وَهِيَ تُمَاثِلُ ءَايَاتِ النِّسَآءِ الَّتِي وَضَعَت نِقَاطًا فِي غَايَةِ الأَهَمِّيَّةِ فِي مَوْضُوعِ أَخْذِ الحَذْرِ مِنْ غَدْرِ العَدُوِّ:

وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ ٱلصَّلَوٰةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُوٓا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِن وَرَآئِكُمْ وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَىٰ لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ ۗ وَدَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَ‌ٰحِدَةً ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَىٰٓ أَن تَضَعُوٓا أَسْلِحَتَكُمْ ۖ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَـٰفِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا ﴿١٠٢﴾” النساء.

6 ـ ثُمَّ تَخْتِمُ الأَيَاتُ بِتَوْجِيهِ المُؤْمِنِينَ لإِظْهَارِ الغِلْظَةِ عَلَي الكُفَّارِ!

7 ـ وَوَاضِحٌ بِلَا عَنَآءٍ أَنَّ هَذِهِ التَّوْجِيهَاتِ هِيَ تَوْجِيهَاتٌ مُسْتَمِرَّةٌ، تُلْزِمُ المُؤْمِنِينَ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ، بِأَنْ يَأخُذُوا بِالأَسْبَابِ وَلاَ يَتَوَاكَلُوا، وَلَيْسَتْ تَوْجِيِهَاتٍ مِنَ اللهِ تَعَالَى لِفُقَهَآءِ الدِّيِنِ الإِسْلاَمِىِّ بِأَنْ يُنْذِرُوا مَنْ يَرْجِعَ إِلَيْهِم لِيَسْتَفْتِيِهِم، وَأَلاَّ يُصْدِرُوا أَحْكَامًا عَلَى النَّاسِ بِالتَّكْفِيِرِ كَمَا يَزْعُمُ سَمِيِر إِبْرَاهِيِم خَلِيِل حَسَن بِجَهْلِهِ وَلَغْوِهِ.

وَلنَنْظُرَ مَرَّةً أُخْرَى لِمَا قَالَ، بَعْدَ مَا عَرِفْنَاهُ هُنَا:

ننظر فى ٱلبلاغ ٱلذى يبيّن لنا ٱلّذين يتفقهون فى ٱلدين:
“فلولا نَفرَ من كُلِّ فرقةٍ مِّنهم طآئفة لِّيتفقهواْ فى ٱلدِّين ولينذرواْ قومهم إذا رجعوۤاْ إليهم لعلَّهم يحذرون” 122 ٱلتوبة .
فيه أنَّ ٱلفقيه فى ٱلدين ينذر من يرجع إليه. وهو غير مكلَّف بإصدار ٱلأحكام على ٱلناس كأحكام “ٱلتكفير وهدر ٱلدم” ٱلتى يصدرها ٱلكهنوت. ولا يغيب عن ذكر ٱلفقيه ٱلنهى ٱلتالى:
“لاۤ إكراه فِى ٱلدِّين قد تبيَّن ٱلرِّشدُ من ٱلغِىِّ” 256 ٱلبقرة.
ٱلفقيه فى ٱلدين يدرك أنَّه لا يمثل سلطة إكراه. ويحصر قوله فى ٱلإنذار للذين يرجعون إليه” اهـ.

هَكَذَا خَرَصَ سَمِيِر بِجَهْلِهِ، حَتَّى أَنَّهُ لَبَّسَ عَلَى مَنْ خَلْفَهُ أَنَّ الرُّجُوعَ فِى الأَيَةِ “وَلِيُنذِرُوا۟ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوٓا۟ إِلَيْهِمْ“، هُوَ رُجُوعُ النَّاسِ لِلفُقَهَآءِ لِيَسْأَلُوهُم عَنْ مَسَائِلِ الفِقْهِ، بَيْنَمَا هُوَ ــ كَمَا عَرِفْنَا ــ رُجُوعُ مَنْ تَفَقَّهُوا أِلَى قَوْمِهِم لِيَنْقِلُوا لَهُم مَا رَأَوهُ أَوْ سَمِعُوهُ، لِيَأخُذُوا حِذْرَهُم مِمَّا سِيِلِيِهِم فِى الطَّرِيِقِ. 

وَهَكَذَا قَوَّمْنَاهُ هُنَا فِى كُلِّ مَا قَالَ. وَلَنَا عَوْدَةٌ إِلَى الكَثِيِر مِمَّا خَرَصَ بِهِ وَهُوَ يَحْسَبُ نَفْسَهُ عَلَى شَيْءٍ. لِعَلَّهُ يَتَعَلَّمَ شَيْئًا، أَوْ يَتَعَلَّمَ الأَحَقُّ مِنْهُ مِنَ الَّذِيِنَ يَبْحَثُونَ عِنْ العِلْمِ، وَيَتَلَمَّسُونَ طَرِيِقَهُم وَهُم عَلَى بِدَايَتِهِ، كَيْفَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى نَسَجَ كِتَابَهُ مِنَ العِلْمِ، وَأَحْكَمَ ءَايَاتِهِ فَصَارَت بِنَآءً مُمتَنِعًا عَلَى المُتَعَالِمِيِنَ وَالخَرَّاصِيِنَ وَاللَّاغِيِنَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيِنَ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 ـ ومعلوم أن أي جيش ينقسم إلي فرقٍ بحسب التنوع، ففرقة المُشاة لا تختلط مثلاً بفرقة الخيالة، وإنما تنقسم كل واحدة منهما في موقع مختلف سواء مقدمة أو مؤخرة أو ميمنة أو ميسرة، . . . وهكذا.

.

مَقَالاَتُ المَوْضُوعِ مُجْتَمِعَةٌ هُنَا

 

Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x