جَهْلُ سَمِيِر إِبْرَاهِيِم خَلِيِل حَسَن بِمَعَانِى الكَلاَمِ 4 – كَلِمَة: الدِّيِن 3

 

3 ــ المُفْرَدَةُ: دِيِن:

جَآءَت كَلِمَةُ “دِيِن” ــ فِى كِتَابِ اللهِ بِمَعْنَى الطَّرِيِقِ، وَالسَّبِيِلِ، وَالمَسْلَكِ، سَوَآءٌ كَانَ مَادِّيًّا كَمَا هُوَ فِى الأَيَةِ الَّتِى نُنَاقِشُهَا، أَوْ مَعْنَوِيَّا يَنْتَظِمُ سُلُوكَ السَّالِكِ ــ عَلَى العُمُومِ ــ.

فَهُوَ بِجَمِيِعِ الأَحْوَالِ يُمَثِّلُ المُوَصِّلَ إِلَى مَا يَلِيِهِ. فَدِيِنُ اللهِ هُوَ المُوَصِّلُ للهِ، وَدِيِنِ غَيْرِ اللهِ هُوَ المُوَصِّلُ لِهَذَا الغَيْرِ. وَهُوَ وَاضِحٌ فِى الأَيَاتِ مِنْ سُورَةِ يُوسُفِ الَّتِى يَقُولُ اللهُ تَعَألَى فِيِهَا:

فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَآءِ أَخِيهِ ثُمَّ ٱسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَآءِ أَخِيهِ ۚ كَذَ‌ٰلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ ۖ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِى دِينِ ٱلْمَلِكِ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ ۚ نَرْفَعُ دَرَجَـٰتٍۢ مَّن نَّشَآءُ ۗ وَفَوْقَ كُلِّ ذِى عِلْمٍ عَلِيمٌ ﴿٧٦﴾“.

وَمِنَ البَدَهِيّ أَنَّ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَام لَمْ يَأخُذ أَخَاهُ فِي دِينِ المَلِكِ بِمَعْنَي أَنَّهُ جَعَلَهُ مُتَدَيِّنًا بِدِينِ المَلِكِ، خَاصَّةً أَنَّ يُوسُفَ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ عَزِيزَ مِصْرَ قَالَ فِي سِجْنِهِ:

….إِنِّى تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍۢ لَّا يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَهُم بِٱلْءَاخِرَةِ هُمْ كَـٰفِرُونَ ﴿٣٧﴾ وَٱتَّبَعْتُ مِلَّةَ ءَابَآءِىٓ إِبْرَ‌ٰهِيمَ وَإِسْحَـٰقَ وَيَعْقُوبَ ۚ مَا كَانَ لَنَآ أَن نُّشْرِكَ بِٱللَّهِ مِن شَىْءٍۢ ۚ ذَ‌ٰلِكَ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ ﴿٣٨﴾“.

وَإِنَّمَا المَعْنَى اللَّازِمَ لِقَوْلِهِ: “لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِى دِينِ ٱلْمَلِكِ“، فِي ضَوْءِ المُعْطَيَاتِ الأُخْرَى هُوَ أَنَّهُ انْتَزَعَ أَخَاهُ مِنْ بِيْنِ إِخْوَتِهِ، وَأَخَذَهُ فِي السِّلْكِ المَلَكِيِّ، وَهُوَ هُنَا الطَّرِيقُ بِالمَعْنَى المَعْنَوِيِّ الضَّيِّق وَالمُخَصَّصُ فِى ضَوْءِ بَقِيَّةِ الأَيَاتِ المَذْكُورَةِ.

وَيَقُولُ سُبْحَانَهُ فِي سُورَةِ يُونُس:

هُوَ ٱلَّذِى يُسَيِّرُكُمْ فِى ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ ۖ حَتَّىٰٓ إِذَا كُنتُمْ فِى ٱلْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍۢ طَيِّبَةٍۢ وَفَرِحُوا۟ بِهَا جَآءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌۭ وَجَآءَهُمُ ٱلْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍۢ وَظَنُّوٓا۟ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ ۙ دَعَوُا۟ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَـٰذِهِۦ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّـٰكِرِينَ ﴿٢٢﴾ فَلَمَّآ أَنجَىٰهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِى ٱلْأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ ۗ …“.

فَالمُشْرِكُونَ هُنَا عِنْدَمَا ظَنُّوا أَنَّهُم أُحِيطَ بِهِم دَعُوا اللهَ ءَاخِذِينَ عَلَي أَنْفُسِهِم العَهْدَ بِأَنَّهُ إِذَا مَا أَنْجَاهُم مِنَ المَوْتِ فَسَيَكُونُ لَهُم طَرِيقٌ وَاحِدٌ فِي عِبَادَتِهِم، وَهُوَ طَريِقُ اللهِ خَالِصًا لَهُ وَحْدَهُ. فَالدِّينُ هُنَا جَآءَ بِمَعْنَى الطَّرِيقُ المَعْنَوِيُّ.

إِذًا فالدِّيِنُ هُوَ السَّبِيِلُ وَالمَسْلَكُ، وَالطَّرِيِقُ. مَعْنَوِيًّا كَانَ أَوْ مَادِّيًّا. وَدِيِنُ اللهِ استَوْدَعَهُ كِتَابَهُ، لِيَهْدِىَ إِلَى طَرِيِقِهِ، وَلِذَا سُمِّىَ بِالهُدَى، كَمَا قَالَ:

هُوَ ٱلَّذِىٓ أَرْسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ ﴿٣٣﴾التَّوْبَةُ.

وَسُمِّىَ يَوْمَ القِيَامَةِ بِيَوْمِ الدِّيِنِ (مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ) لأَنَّهُ اليَوْمَ الَّذِى سَيُنْظَرُ فِيِهِ لِمَسْلَكِ كُلِّ وَاحِدٍ فِى دُنْيَاهُ.

وَهَكَذَا.

4 ــ المُفْرَدَةُ: حَذْر:

الحَذْرُ فِعْلُ تَرَقُّبٍ، وَتَوَقٍّي، مَبْنِيٌّ عَلَي التَّوَقُّعِ وَبَسْطِ الاحْتِمَالاَتِ. وَقَدْ جَآءَت كَلِمَةُ حَذْرِ ــ بِخِلاَفِ الأَيَةِ الَّتِي نُنَاقِشُهَا هُنَا ــ بِمُشْتَقَّاتِهَا عِشْرُونَ مَرَّةٍ كُلُّهَا تَعْنِي اتِّخَاذِ الاحْتِيَاطِ وَالتَّرَقُّبِ لِلتَّوَقِّي، نَذْكُرُ مِنْهَا التَّالِي:

۞ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ خَرَجُوا۟ مِن دِيَـٰرِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ ٱللَّهُ مُوتُوا۟ ثُمَّ أَحْيَـٰهُمْ ۚ ….﴿٢٤٣﴾البقرة.

فَالقَوْمُ قَدْ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِم خَوْفًا مِنَ المَوْتِ وَتَوَقٍيٍ مِنْهُ.

كَذَلِكَ فِى قَوْلِهِ تَعَالَى:

وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ ٱلصَّلَوٰةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُوٓا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِن وَرَآئِكُمْ وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَىٰ لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ ۗ وَدَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَ‌ٰحِدَةً ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَىٰٓ أَن تَضَعُوٓا أَسْلِحَتَكُمْ ۖ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَـٰفِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا ﴿١٠٢﴾النساء.

نَجِدُ أَنَّ المَطْلُوبَ هُنَا هُوَ أَنْ يُبقِيَ المُسْلِمُونَ عَلَي أَسْلِحَتِهِم بِأَيْدِيهِم أَثْنَآءَ الصَّلَاةِ تَرَقُّبًا وَتَوَقِيًّا مِنْ غَدْرِ العَدُوِّ.

وَأَنِ ٱحْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ وَٱحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَنۢ بَعْضِ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ ۖ فَإِن تَوَلَّوْا۟ فَٱعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ ۗ وَإِنَّ كَثِيرًۭا مِّنَ ٱلنَّاسِ لَفَـٰسِقُونَ ﴿٤٩﴾المائدة.

5 ــ المُفْرَدَةُ: نَذْر:

الإِنْذَارُ فِعْلُ تَخْوِيفٍ لِأَمْرٍ مُحَدَّدٍ وَشِيكُ الوقُوعِ، وَهُوَ كَإِنْذَارِ هُودٍ لِقَوْمِ عَادٍ:

۞ وَٱذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُۥ بِٱلْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ ٱلنُّذُرُ مِنۢ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِۦٓ أَلَّا تَعْبُدُوٓا۟ إِلَّا ٱللَّهَ إِنِّىٓ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍۢ ﴿٢١﴾الأحقاف.

وَقَدْ تَحَقَّقَ العَذَابُ ــ مَوْضُوع الإِنْذَارِ ــ بَعْدَ الإِنْذَارِ بِقَلِيلٍ.

هُنَا فِي دِيِنِ الإِسْلَامِ ــ كَبَقِيَّةِ الرِّسَالَاتِ السَّابِقَةِ ـ يَأتِي الإِنْذَارُ بِكِتَابِ اللهِ، وَيَأتِي التَّخْويِفُ بِنُصُوصِ الأَيَاتِ، وَلَا عِلَاقَةَ لَهَا بِإِنْذَارِ فَقِيِهٍ ــ كَمَا هَرَفَ سَمِيِر ــ، وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ تَعَالي:

كِتَـٰبٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُن فِى صَدْرِكَ حَرَجٌۭ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِۦ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴿٢﴾الأعراف.

الٓمٓ ﴿١﴾ تَنزِيلُ ٱلْكِتَـٰبِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ ﴿٢﴾ أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَىٰهُ ۚ بَلْ هُوَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْمًۭا مَّآ أَتَىٰهُم مِّن نَّذِيرٍۢ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ ﴿٣﴾السجدة.

وَكَذَ‌ٰلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ قُرْءَانًا عَرَبِيًّۭا لِّتُنذِرَ أُمَّ ٱلْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ ٱلْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ ۚ فَرِيقٌۭ فِى ٱلْجَنَّةِ وَفَرِيقٌۭ فِى ٱلسَّعِيرِ ﴿٧﴾الشورى.

وَلِلحَدِيِثِ بَقِيَّةٌ ــ هِىَ الأَخِيِرَةُ ــ نَعْرِفُ فِيِهَا المَعْنَى الكَامِلِ لِلأَيَةِ .

.

تَحَرَّرَ فِى لَيْلِ يَوْمِ الإِثْنَين 25/5/2015 سعة 8.02 م

التَّعْلِيَقَاتُ مَفْتُوحَةٌ فِى المَقَالِ الأَخِيِر بَعْد اكْتِمَالِ المَوْضُوعِ

المَقَالُ السَّابِقُ

المَقَالُ التَّالِى