نَفْر

النَّفْرُ هُوَ فِعْلُ هَبٍّ وَتَعْبِئَةٍ خاصٌّ بِالقِتَالِ كَمَا فِى قَوْلِهِ تَعَالَى:

يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ ٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَكُونُوا۟ مَعَ ٱلصَّـٰدِقِينَ ﴿١١٩﴾ مَا كَانَ لِأَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ ٱلْأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُوا۟ عَن رَّسُولِ ٱللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا۟ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِۦ ۚ ذَ‌ٰلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌۭ وَلَا نَصَبٌۭ وَلَا مَخْمَصَةٌۭ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَا يَطَـُٔونَ مَوْطِئًۭا يَغِيظُ ٱلْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّۢ نَّيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُم بِهِۦ عَمَلٌۭ صَـٰلِحٌ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ ﴿١٢٠﴾ وَلَا يُنفِقُونَ نَفَقَةًۭ صَغِيرَةًۭ وَلَا كَبِيرَةًۭ وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ ٱللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا۟ يَعْمَلُونَ ﴿١٢١﴾ ۞ وَمَا كَانَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا۟ كَآفَّةًۭ ۚ فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍۢ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌۭ لِّيَتَفَقَّهُوا۟ فِى ٱلدِّينِ وَلِيُنذِرُوا۟ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوٓا۟ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴿١٢٢﴾يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ قَـٰتِلُوا۟ ٱلَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ ٱلْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا۟ فِيكُمْ غِلْظَةًۭ ۚ وَٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ ﴿١٢٣﴾“.

فَنَجِدُ هُنَا أَنَّ التَّوْجِيهَاتِ الرَّبَّانِيَّةَ تَتَنَاوَلُ جُزْئِيَّاتِ القِتَال:

1 ـ فَتَبْدَأُ بِطَلَبِ التَّقْوَى وَالصِّدْقِ مِنَ المُؤْمِنِينَ.

2 ـ مُحَذَّرَةً أَهْلَ المَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِنَ الأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ.

3 ـ ثُمَّ تُحَذِّرَهُم مِنْ أَنْ يَنْفِرُوا كَافَّةً بِكُلِّ فِرَقِهِم (3)، وَإِنَّمَا استَثْنَت مِنْهُم بَعْضَ الطَّوَائِفِ (مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍۢ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌۭ) لِيَقُومُوا بِفِعْلِ نَفْر.

4 ـ وَتُوَجِّهَهُم إِلَي لُزُومِ أَنْ يَقُومَ هَؤُلآءُ البَعْضِ بِهَذَا النَفْرِ (السَّبِقِ إِلَي الجِهَاتِ المَطْلُوبَةِ) المُسْتَلْزِم لِلجُهْدِ، وَذَلِكَ لِاسْتِيضَاحِ (تَفَقُهِ) الطَّرِيِقِ (الدِّيِن) لِلتَّأَكُّدِ مِنْ سَلَاَمَتِهِ. وَهُوَ مَا نُسَمِّيِهُ اليَوْمَ بِالاسْتِطْلاَع. وَهُوَ عَمَلُ مُخَابَرَاتِىٌّ بَحْتٌ.

5 ـ ثُمَّ تَعُودُ كُلُّ طَائِفَةٍ اسْتَوْضَحَت (تَفَقَّهَت) الطَّرِيِقَ (الدِّيِن) إِلَي فِرْقَتِهَا لِتُنْذِرَهَا بِإِحْدَاثِيَّاتِ المَعْرَكَةِ وَأَحْوَالِ العَدُوِّ ــ إِنْ أَمْكَنَ ــ لِيَأخُذُوا حِذْرَهُم، فَلَا يُؤْخَذُوا بَغْتَةً. وَفِعْلُ التَّفَقُّهِ سَبَقَ بَيَانُ أَنَّهُ يَتَعَدَّى الفِقْهَ إِلَي مَا هُوَ أَعْلَى مِنْهُ مِنْ طَلَبِ الحَرَكَاتِ المَقْصُودَةِ لإِدْرَاكِهِ.

وَجَآءَت كَلِمَةُ نَفْر ــ بِخِلَافِ الأَيَةِ الَّتِي نُنَاقِشُهَا هُنَا ــ بِمُشْتَقَّاتِهَا سِتَّةَ مَرَّاتٍ بِخَمْسِ ءَايَاتٍ كَالتَّالِي:

الأَيَةُ الأُولَى:يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَٱنفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ ٱنفِرُوا جَمِيعًا ﴿٧١﴾النِّسَآء.

الأَيَةُ الثَّانِيَةُ:يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ ٱنفِرُوا فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱثَّاقَلْتُمْ إِلَى ٱلْأَرْضِ ۚ أَرَضِيتُم بِٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا مِنَ ٱلْءَاخِرَةِ ۚ فَمَا مَتَـٰعُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا فِى ٱلْءَاخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ ﴿٣٨﴾التَّوْبَةُ.

الأَيَةُ الثَّالِثَةُ:إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْـًٔا ۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ قَدِيرٌ ﴿٣٩﴾التَّوْبَةُ.

الأَيَةُ الرَّابِعَةُ:ٱنفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَـٰهِدُوا بِأَمْوَ‌ٰلِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ۚ ذَ‌ٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴿٤١﴾التَّوْبَةُ.

الأَيَةُ الخَامِسَةُ:فَرِحَ ٱلْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَـٰفَ رَسُولِ ٱللَّهِ وَكَرِهُوٓا أَن يُجَـٰهِدُوا بِأَمْوَ‌ٰلِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنفِرُوا فِى ٱلْحَرِّ ۗ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا ۚ لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ ﴿٨١﴾التَّوْبَةُ.

وَوَاضِحٌ جِدًّا أَنَّ النَّفْرَ هُوَ فِعْلُ هَبٍّ وَتَعْبِئَةٍ خاصٌّ بِالقِتَالِ. وِلِزِيَادَةِ تَأكِيِدٍ سَنَتَعَمَّقُ فِى الأَيَاتِ:

فَأَمَّا الأَيَةُ الأُولَي فَقَدْ أَعْقَبَهَا سُبْحَانَهُ بِالأَيَاتِ التَّالِيَةِ:

۞ فَلْيُقَـٰتِلْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يَشْرُونَ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا بِٱلْءَاخِرَةِ ۚ وَمَن يُقَـٰتِلْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ﴿٧٤﴾ وَمَا لَكُمْ لَا تُقَـٰتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلْوِلْدَ‌ٰنِ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلظَّالِمِ أَهْلُهَا وَٱجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَٱجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا ﴿٧٥﴾ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا يُقَـٰتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ۖ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوا يُقَـٰتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱلطَّـٰغُوتِ فَقَـٰتِلُوٓا أَوْلِيَآءَ ٱلشَّيْطَـٰنِ ۖ إِنَّ كَيْدَ ٱلشَّيْطَـٰنِ كَانَ ضَعِيفًا ﴿٧٦﴾النِّسَآء.

فَنَجِدُ أَنَّ الأَيَاتِ قَدْ نَصَّت عَلَى القِتَالِ وَالقَتْلِ سَبْعَةُ مَرَّاتٍ، مَا يُوَضِّحُ أَنَّ النَّفْرَ بِالَأَيَةِ هُوَ ــ كَمَا قُلْنَا ــ فِعْلٌ خَاصٌّ بِالخُرُوجِ لِلقِتَالِ.

وَأَمَّا الأَيَاتُ 38، 39، 41 مِنْ سُورَةِ التَّوْبَةِ فَتَدُورُ كُلُّهَا عَلَي النَّفْرِ لِلقِتَالِ.

وَأَخِيرًا فَإِنَّ الأَيَةَ 81 مِنْ سُورَةِ التَّوْبَةِ فَتَدُورُ أَيْضًا عَلَي النَّفْرِ لِلقِتَال.

إذًا فَفِعْلُ النَّفْرِ هُوَ فِعْلُ خُرُوجٍ خَاصٍّ بِالقِتَالِ حَيْثُ فِيِهِ الاسْتِعْدَادُ وَالتَّجْهِيزُ لِلقِتَالِ، وَهُوَ مَا يَعْنِي فِي أَيَّامِنَا التَّعْبِئَةَ.

وَبِالتَّالِي فَإِنَّ قَوْلَ اللهِ تَعَالَي “وَمَا كَانَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَآفَّةً ۚ” هُوَ تَوْجِيهٌ رَبَّانِيٌّ لِلمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ سَيَخْرُجُونَ بِاسْتِعْدَادِهِم القِتَالِيّ إِلَي المَعْرَكَةِ، لَا لِلَّذِينَ يَتَوَهَّمُ المُتَعَالِمُونَ أَنَّهُم سَيَذْهَبُونَ لِيَحْضَرُوا دُرُوسَ فِقْهٍ فِي القُرْءَانِ.