خَوْن ـ تَخْتَانُونَ


 

عِنْدَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى:

أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ ٱلصِّيَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَآئِكُمْ ۚ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ۗ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ ۖ فَٱلْـَٔـٰنَ بَـٰشِرُوهُنَّ وَٱبْتَغُوا مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمْ ۚ…﴿١٨٧﴾البَقَرَة.

تَفَذْلَكَ البَعْضُ وَقَالُوا أَنَّ كَلِمَة: “تَخْتَانُونَ”، تَعْنِى الخِتَان، بِقَطْعِ الغُلْفَةِ عِنْدَ الذُّكُورِ، أَوْ البَظْرِ عِنْدَ الإِنَاثِ؛ وَأَنَّ ذَلِكَ يُسَبِّبُ هَيَجَانًا جِنْسِيًّا، وَبِالتَّالِى فَقَدْ أَصْبَحَت الأَيَةُ عِنْدَهُم كَالتَّالِى:

أحَلَّ اللهُ لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم. وَعلم أنكم كنتم تَقْطَعون غُلفَتَكُم وبظوركم، فلا تستطيعون التحكم فى هيجانكم، فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم(1)!!!

وَمَا أَوْقَعَهُم فِى هَذَا إِلاَّ الجَهْل بِمَعْنَى كَلِمَة: “تَخْتَانُونَ”، وَبِأَثَرِ الخِتَانِ السَّلبِىِّ عَلَى الإِثَارَةِ الجِنْسِيَّةِ، وَإِضْعَافِهِ لَهَا:

فَاَمَّا كَلِمَة تَخْتَانُونَ فَهِىَ عَلَى وَزْنِ “تَفْتَعِلُونَ”، وَأَصْلُهَا مِنَ الخَوْنِ، وَمِنْهَا: خَانَ، يَخُونُ، تَخُونُ، خَائِنٌ، اخْتَانَ، تَخْتَانُ، تَخْتَانُونَ. وَهِىَ عَلَى الأَوْزَانِ: “فَعَل، يَفْعَلُ، تَفْعَلُ، فَاعِلٌ، افْتَعَلَ، تَفْتَعِلُ، تَفْتَعِلُونَ”. وَيَأتِى عَلَى نَفْسِ وَزْنِهَا، الكَلِمَاتُ: “تَقْتَاتُون”، “تَسْتَمِعُونَ”، تَغْتَالُونَ”، تَرْتَابُونَ”، “تَقْتَتِلُونَ”، . . وَهَكَذَا.

وَلَوْ أَرَدْنَا إِيِرَادَ كَلِمَةِ “خَتْن”، بِوَزْنِ: “تَفْعَلُونَ، وَتَفْتَعِلُونَ”، كَمَا فِى “تَخُونُونَ، وَتَخْتَانُون”، لَكَانَت: “تَخْتِنُونَ، وَتَخْتَتِنُون”، وَهُوَ فَرْقٌ وَاضِحٌ هُنَا، وَمَعْرُوفٌ لِكُلِّ مُمَارِسِ لِلبَحْثِ فِى الكَلِمَاتِ. وَلَوْ أَرَدْنَا مُسَاعَدَةِ العَيِىِّ ضَعِيِفِ الفَهْمِ، فَسَنَقُولُ لَهُ: هَاتِ الفِعْلَيْنِ بِصِيِغَةِ المُفْرَدِ: “تَفْتَعِل”، فَسَيَكُونُ لِلكَلِمَتَيْنِ هُوَ: “تَخْتَتِن”، “تَخْتَان”. ضِفْ عَلَيْهَا الأَن: “ون” لِتَحْصُلَ عَلَى صِيِغَةِ الجَمْعِ “تَفْتَعِلَونَ، تَجِد: “تَخْتَتِنُونَ”، “تَخْتَانُونَ”.

الأَمْرُ إِذًا وَاضِحٌ جِدًّا.

● وَلَوْ كَانَت كَلِمَةُ “يَخْتَانُ”، مِنَ الخِتَانِ لَصَارَ وَزْنَهَا: “يَفْعَالُ”، وَهُوَ وَزْنٌ وَهْمِىٌّ لاَ وُجُودَ لَهُ، كَأَن يَقُولَ مَثَلاً: يَقْتَال، .

وَلأَنَّ كَلِمَة تَخْتَانُونَ هِىَ مِنْ الخِيَانَةِ، فَقَدْ جَآءَ قَوْلُ اللهِ تَعَالَى:

وَلَا تُجَـٰدِلْ عَنِ ٱلَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا ﴿١٠٧﴾النِّسَآء.

لِيُبَيِّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّ المُخْتَانَ هُوَ مَنْ يَخُون: “خَوَّانًا”.

إِذًا فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى بِسُورَةِ البَقَرَةِ عَنِ المُخْتَانِ المُؤْمِنِ:

أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ ٱلصِّيَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَآئِكُمْ ۚ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ۗ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ ۖ فَٱلْـَٔـٰنَ بَـٰشِرُوهُنَّ وَٱبْتَغُوا مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمْ ۚ…﴿١٨٧﴾“؟!

وَاضِحٌ أَنَّ المُؤْمِنَ المُخْتَانَ قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ عَلَى حِسَابِ نَفْسِهِ: “تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ”، فَكَانَ لِنَفْسِهِ عَلَيْهِ حَقًّا بِمُبَاشَرَةِ النِّسَآءِ، فَمَنَعَهَا إِيَّاهُ، وَدَفَعَهُ لِمَنَعِ المُبَاشَرَةِ غِيِابُ النَّصِّ، خَوْفًا مِنَ الوُقُوعِ فِى مَا قَدْ يَمَسُّ صِيَامَهُ، فَجَآءَت الأَيَةُ لِتَضَعَ عَنْهُم هَذِهِ المَشَقَّةَ، وتُحُدِّدُ لَهُم الحَدَّ بِالسَّمَاحِ لَهُم بِمُبَاشَرَةِ النِّسَآءِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمُ الخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الفَجْرِ. وَالتَّوْبَةُ هُنَا كَمَا فِى قَوْلِهِ تَعَالَى: “عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ۖ “. وَالعَفْوُ جَآءَ لِمَا اقْتَرَفُوهُ مِنْ مَنْعٍ بَلاَ نَصٍّ.

وَلَكِنَّ البَعْضَ قَدْ يَقُولُ: كَيْفَ يَكُونُ المُؤْمِنُ مُخْتَانًا وَقَدْ ذَمَّ اللهُ المُخْتَانَ فِى قَوْلِهِ تَعَالَى:

وَلَا تُجَـٰدِلْ عَنِ ٱلَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا ﴿١٠٧﴾النِّسَآء.

وَالجَوَابُ: أَنَّ الاخْتِيَانَ وَحْدَهُ لَيْسَ مَذْمُومًا هُنَا، وَإِنَّمَا ذَمَّ اللهُ تَعَالَى الخَوَّانَ الأَثِيِمَ، الَّذِى كَانَت خِيَانَتَهُ الكَثِيِرَةَ مُقْتَرِنَةً بِالإِثْمِ، وَلِذَا قَالَ اللهُ عَنْهُ: “خَوَّانًا أَثِيمًا”، وَوَصَفَهُ اللهُ تَعَالَى فِى بَقِيَّةِ الأَيَاتِ بِمَا فِيِه مِنْ الاسْتِخْفَآءِ مِنَ النَّاسِ، وَتَبْيِيتِهِم مَا لاَ يَرْضَى مِنَ القَوْلِ؛ فَقَالَ:

وَلَا تُجَـٰدِلْ عَنِ ٱلَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا ﴿١٠٧﴾يَسْتَخْفُونَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ ٱللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَىٰ مِنَ ٱلْقَوْلِ ۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا ﴿١٠٨﴾النِّسَآء.

أَمَّا هَؤُلآء فَقَد وَصَلَ بِهِم ضِيِقُ الأُفُقِ إِلَى القَوْلِ بِأَنَّ مَعْنَى الأَيَةِ هُوَ: أنَّ اللهَ قَدْ نَهَى النَّبِىَّ عَنْ المُجَادَلَةِ عَنِ الَّذِيِنَ يَقْطَعُونَ غُلْفَتَهُم وَبَظْرِهِم، وَذَلِكَ لأَنَّهُم بِخِتَانِهِم صَارُوا خَوَّانِيِنَ ءَاثِمِيِنَ!!!

مَعْ أَنَّ هَذَا الجَاهِل لَوْ رَجَعَ إِلَى القُرْءَانِ لَوَجَدَ تَفْصِيِلَ مَا يُبَيِّتُونَ مِنَ القَوْلِ فِى قَوْلِهِ تَعَالَى بِنَفْسِ السُّورَةِ، وَبَعْدَهَا بِأَيَاتٍ:

وَيَقُولُونَ طَاعَةٌۭ فَإِذَا بَرَزُوا۟ مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَآئِفَةٌۭ مِّنْهُمْ غَيْرَ ٱلَّذِى تَقُولُ ۖ وَٱللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ ۖ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ ۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلًا ﴿٨١﴾“.

فَصَارَ الكَلاَمُ فِى الأَيَةِ عَن الَّذِيِنَ يَخُونُونَ ءَامَانَاتِهِم، وَيَكْذِبُونَ عَلَى النَّبِىِّ، بِتَبْدِيِلِ كَلاَمِهِ، فَيَنْدَسُّونَ بِيْنَ المُؤْمِنِيِنَ عَلَى أَنَّهُم مِنْهُم لِيُمَارِسُوا إِفْكَهُم، وَلِذَا قَالَ تَعَالَى عَنْهُم:

..إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا ﴿١٠٧﴾يَسْتَخْفُونَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ ٱللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَىٰ مِنَ ٱلْقَوْلِ ۚ… ﴿١٠٨﴾” النِّسَآء.

وَلَكِنَّ الجَهْلَ سِمَةٌ مِنْ سِمَاتِ خَوْضِ المُتَعَالِمِيِنَ فِى حُدُودِ اللهِ، وَلاَ شِفَآءَ لَهُم إِلاَّ أَنْ يَعُودوا بِإِرَادَتِهِم.

● هَذَا أَيْضًا فَضْلاً عَنْ جَهْلِهِم بِأَنَّ الَّذِى يُخْتَنُ مِنَ الذُّكُورِ يَفْقِدُ 70% مِنْ إِحْسَاسِهِ بِلَذَّةِ الإِيِلاَجِ، وَيَصِلُ إِلَى 100% عِنْدَ الإِنَاثِ. فَقَلَبَ هَؤُلآء بِجَهْلِهِم هَذِهِ الحَقِيِقَةِ لِيِجْعِلُوا المَخْتُونَ هُوَ الأَكْثَرُ إِثَارَة! 

هَامِش:ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 ـ رَاجِع – كَمِثَالٍ – مَقَال سَمِيِر: “تعقيب على مقال “ٱلحلال وٱلحرام، عَلَى الرَّابِط:

 http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=102955

.

تَحَرَّرَ عِشَآء يَوْم الأَرْبَعَآءِ المُوَافِقُ 26/11/2014 سعت 7.33 م

Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x